الأحد، 6 يونيو 2010

على كل شكل ولون ياباتسطا
كنا صغارا نذهب للسوق مع امهاتنا فنسمع بائع القماش ينادى "على كل شكل ولون ياباتسطا" , ولانعى معنى هذا النداء وكبرنا وعلمتنا الحياة الكثير من المعانى و الأمثال , وعايشت شخصيا تجربة الانتخابات مشاركا فيها ناخبا أو مندوبا وأحيانا معاونا لأحد المرشحين منذ عام 1984 وحتى الآن , أى كنت قريبا من الأحداث مشاركا فيها مطلعا على خباياها واسرارها ودارسا لكل ما يحيط بها من ملابسات , اما قبل ذلك التاريخ فكنت متابعا لأحداثها متفرجا عليها متمنيا أن يأتى اليوم الذى أكون فيه عنصرا فاعلا فيها , وبحكم هذه المتابعة شاهدت ثم عايشت كل ألوان الباتسطا الانتخابية المصرية بتنوعاتها المختلفة و الظروف المتغيرة التى مرت بها وأستطيع التأكيد بكل ثقة واطمئنان : أن إنتخابات الشورى المنتهية اليوم قد جمعت كل ألوان الباتسطا الانتخابية منذ وعيت شخصيا هذه الانتخابات.
فتعالى معى أيها القارئ الكريم نروى الحكاية من البداية ..... لكن أى حكاية سأروى ؟؟؟؟ إنها حكاية التزوير بأشكالة المختلفة ففى السبعينات من القرن الماضى كان التزوير يتم فى الغالب وفق استراتيجية التقفيل المبكر أى يبدأ من ليلة الانتخاب تسويد البطاقات لصالح أحد المرشحين حسب ما دفعة من أموال لرجال الأمن والعمد والادارة ويتم وضع هذه البطاقات داخل الصناديق الخشبية وفى صبيحة يوم الانتخابات يأتى الناخبون للادلاء باصواتهم لمرشحيهم وتحدث الاحتكاكات بين انصار كل مرشح داخل اللجان وبين المندوبين فيمر الوقت ولايصوت فعليا الاعدد قليل , فتكون النتيجة لصاحب السطوة والمال , وأحيانا يتم التقفيل حسب القبلية العائلية او المناطقية فمن يستطيع أن يقيد اكبر عدد من الأصوات فى كشوف الناخبين فى منطقة نفوذه أوعائلتة يستطيع وضع يده على اكبر كمية من بطاقات الانتخاب التى تسود لصالحة فى الليلة المشئومة ( أقصد ليلة الانتخابات) .
ثم تطور الأمر مع زيادة مساحات الوعى لدى الجماهير واتساع دائرة الراغبين فى الحصول على المقعد وتفتت الكتل التصويتيه بين العديد من المرشحين فلجأ أصحاب الأموال الى شراء الأصوات وأصبح فى كل بلد تجار متخصصون لبيع الأصوات وشراءها حتى وصل الصوت الواحد فى (انتخابات 2005) مصر الجديدة مثلا الى 1000جنية للصوت الواحد وتم اختراع الورقة الدوراة لصعوبة التقفيل المباشر نظرا لوجود القضاة وتحول الصناديق للون الشفاف .
ومنذ انتخابات 1984 وهى أول انتخابات تجرى وفق القوائم الحزبية بدأ التزوير الرسمى على نطاق واسع وظاهر ومتطور بدءا من كمبيوتر وزارة الداخلية وطرق حساب الأصوات واختراع قصة أن البواقى تذهب لحزب الأغلبية فى نظام لايوجد له مثيل على مستوى العالم واستهدف واضعوه أن يحصلوا على الأغلبية المريحة دائما والتى تمكنهم من استمرار التحكم فى رقاب العباد ومقدرات البلاد , واضيف هذا النوع من التزوير الى الانواع السابقة وهكذا فى كل انتخابات يضاف اسلوب ولون جديد الى الوان الباتسطا الانتخابية فى مصر, ولما جاءت انتخابات 1987 بعدد كبير من المعارضين لمجلس الشعب رغم تطبيق كل الوسائل التزويرية السابقة حسب الظرف والمكان واضافة وسائل جديدة منها : التدخل الحكومى المباشر باعتقال أنصار المعارضين , والتلاعب فى النتائج النهائية بحجة نسبة العمال والفلاحين وبواقى الأصوات , تم العودة الى نظام الانتخابات الفردية ومعه كافة مساوئه القديمة مضافا اليها وسائل التزوير الرسمية واتساع نطاقها وأضيف اليها اساليب جديدة مثل اعلان نتائج غير الموجودة فى الصناديق والدخول فى دوامة التقاضى والتعويضات , حتى كانت المفاجأة بحكم المحكمة الدستورية بوجوب الإشراف القضائى الكامل على اللجان الفرعية فى انتخابات 2000 و2005 فتحول التزوير الى الوسائل الرسمية الجديدة وهى التدخل المباشر من أجهزة الدولة المختلفة لمنع وصول المعارضين للنظام وخاصة من اعضاء جماعة الإخوان المسلمين للبرلمان , فكان التعويق فى استيفاء أوراق المرشحين من الجهات الرسمية كصحيفة الأحوال الجنائية والبطاقة الانتخابية و اثبات الصفة وغير ذلك , والتعويق فى تقديم الأوراق بل وصل الأمر الى خطف المرشحين واعتقالهم من امام لجان تلقى الطلبات فى انتخابات الشورى 2002 (د سيد عبد النور وآخرين فى الزقازيق على سبيل المثال) وخطف الأوراق من المتقدمين بواسطة البلطجية , واعتقال البعض بمجرد التقدم لاستخراج اى من الأوراق السابقة وتوسيع دائرة اعتقال انصار المرشحين (7000) آلاف معتقل فى انتخابات عام 2000 , وفى عام 2005 لما توقف التزوير الرسمى قليلا كاد الأمر يفلت من ايدهم فعادت ريمة لعادتها القديمة لكن باساليب أكثر فجاجة وبجاحة فمنع الناخبين من الوصول للجان , ثم تطور الأمر الى درجة تقنين التزوير وحماية المزورين والفاسدين فجاءت التعديلات الدستورية فى 2007 لتلغى الاشراف القضائى على الانتخابات وبذلك أصبح الطريق ممهدا أمام كل سبل التزوير القديم منها والحديث , والذى رأينا نتيجته فى انتخابات الشورى والمحليات فى 2008, 2010 وبتقدم وسائل الاتصال تم توثيق جميع الأساليب التزويرية القديم منها والحديث الفردى منها والرسمى فسجلت المحاضر الرسمية ووسائل الاعلام مايلى :
• تعويق المرشحين عن التقدم بأوراق الترشيح أو إستكمالها
• منع المرشحين من الدعاية لأنفسهم والتواصل مع ناخبيهم
• ارهاق المرشحين فى مشاكل قانونية وتفويت فرصة دخولهم الانتخابات
• اعتقال المرشحين المحتملين
• اعتقال أنصار المرشحين
• تخويف الناس من الوصول للجان الانتخابية
• شراء بعض خربى الذمم بالمال الحرام ليشاركوا فى البلطجة والتزوير وارهاب هذا الشعب المسكين
• اشاعة أن الإنتخابات ستتم كما تريد الحكومة والحزب ولن ينجح غيرهم لتيئيس الناس
• تقفيل وتسويد الكثير من الصناديق والتصويت نيابة عن الناس (حكى لى أحد الأطباء فى مدينة فاقوس أنه ذهب للتصويت فى قريته فوجد اسمه موقعا امامه )
• طرد مناديب المرشحين من اللجان الانتخابية بواسطة قيادات اجهزة الشرطة والحكم المحلى
• صرف الناس عن الادلاء باصواتهم واخبارهم ان الانتخابات انتهت
• إعلان نتائج غير الموجودة بالصناديق معدة سلفا
وهكذا تنوعت الأساليب القديم منها والحديث فى هذه الانتخابات الخيرة لتكتمل ألوان الباتسطا ويتحول المثل الى "على كل شكل ولون ياتزوير" .
ونتسائل .. ماذا بقى لهذا النظام المفسد من أساليب ليستخدمها فى الانتخابات القادمة ؟؟؟ لقد خلع كل ارديته قطعة قطعة مثل راقصة الاستربتيز ولم يبقى له مايستر عورته. وعلى كل أبناء الوطن العمل الجاد من الآن لوقف هذا الإفساد والتصدى بقوة لمن يسرق إرادته , على كل القوى الوطنيه البحث عن وسائل للخروج بالوطن من هذا المأزق ومقاومة ثقافة التزوير التى أفسدت الحياة السياسية , وأوصلت الوطن لتلك الأزمة التى يعيش فيها الآن.

ليست هناك تعليقات: